بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين و على آله و صحبه أجمعين
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أما بعد،
إن في خلق السماوات و الأرض واختلاف الليل و النهار لآيات لأولي الألباب، فقطار الحياة يمضي بنا بسرعة البرق نحو النهاية المحتومة، و لن يبقى لنا بعد الرحيل عن هذه الدنيا الفانية إلا صدى أعمالنا ليصدح في قلوب من أحببناهم و أحبونا، لذلك فإن برهة مكاشفة صادقة مع النفس قد تغني أحيانا عن دهر نسيان.
مناسبة هذا الحديث تتزامن مع مرور الألفية الأولى لانضمامي لهذا المنتدى الأغر، و مع إطفائي للشمعة 27 من رحلة العمر يوم الثلاثاء 12 يناير؛ و هي في الحقيقة مجرد همسات آثرت أن أنبسها بصوت عال حتى أقتسم مع إخواني الحلو و المر من لواعجها.
البداية تعود لما ينيف عن العامين حين فتحت عضوية في المنتدى بعد أن أرشدني إليه أحد الأصدقاء و الوجهة الأولى كانت المنتدى المغربي بطبيعة الحال حيث كانت مشاركاتي ـ على قلتها ـ تتسم بالاستفزاز و الدخول في حروب كلامية مع بعض الإخوان، فكانت الرقابات المتكررة نتاجا طبيعيا لحالة التيه التي كان يعيشها أخوكم في الله، إلى أن جاء القرار النهائي بمغادرة المنتدى، و في ذلك قواسم مشتركة مع عدة إخوان هجروا منتدياتهم الوطنية الطافحة بالتعصب و بتغييب لغة العقل و المنطق في الحوار.
الإسباني كان المحطة التالية من رحلة إثبات الذات بحكم الانتماء البرشلوني الوحيد و الأوحد على مستوى الأندية و المنتخبات، فكان أن حطت طائرة المسافر بين جنبات المنتدى الأغر أوائل العام المنقضي في أوج الشد العصبي المعتاد بين مشجعي الغريمين التقليديين بحكم أن لا شيء كان قد حسم وقتها.
لم تكن لي صراحة أي نية لأصبح كاتبا إذ لم ـ و لا زلت على هذا الرأي ـ ألمس في نفسي أي موهبة في هذا المجال، لكن كل شيء تغير عندما وضعنا القدر على نفس المسار، تبادلنا بضع رسائل أول الأمر ثم أصبحنا صديقين حميمين، آمن بموهبتي و أقنعني بتجريب حظي في الكتابة فعاد إليه الفضل بعد الله سبحانه و تعالى في كل ما وصل إليه العبد الفقير لله، إنه الأستاذ و المثل الأعلى و أروع عضو في كل منتديات العالم... إنه كتالوني متعصب... إنه جلال.
مرت الأيام فتوغلت أكثر في معرفة المنتدى بأعضائه و كتابه؛ كان الموسم يعيش نزعه الأخير و كانت برشلونة تقاتل على كل الجبهات، فظهرت مواضيع رائعة ـ أغلب كتابها برشلونيو الهوى بطبيعة الموقف وقتها ـ جعلتني أتساءل أنى يكون لي موطئ قدم بين هؤلاء العمالقة، كانوا رائعين جدا لكن كتاباته كانت قادمة من عالم آخر، عالم أحلام لا يخضع لمقاييسنا المادية الرتيبة، كتاباته تهيج النفس و تجيش المشاعر، غاب بعد خلافات مع بعض ضعاف النفوس فافتقده المنتدى و افتقدته أكثر رغم أنني لم أحظ بشرف التعرف عليه وقتها، دعوت الله أن يعود فتحقق رجائي و لله الحمد، هو إنسان ودود و خلوق و جد متواضع و ذلك ليس بغريب عليه كرسام، لكنه رسام ليس ككل الرسامين، إنه رسام البارسا و سيد كتاب المنتديات منذ نشأتها، إنه عز الوطن و فخر المغرب... إنه يونس.
المنتدى الإسباني كان له فضل كبير علينا، فقد جعلنا نتعرف على أعضاء رائعين أحببناهم و أحبونا حتى دون أن نراهم، لن أذكر أسماء حتى لا يضيع بعضها في زحمة سهو عابر، لكن حمزة و ريم و محمد هانز غامبر و محسن و يونس الهوباوي و هاشم و غيث و فاضل و حكيم و محمد سيموفيتش و أمل كانوا أول من عرفت في المنتدى.
المنتدى الإسباني علمنا كيف ننفض الغبار عن لغتنا الأم و نعيد لها الاعتبار بعد أن كدنا نضل السبيل في متاهات لغات الغير.
المنتدى الإسباني جعلنا نكسب أصدقاء من كل الدول العربية، فكان له أجر صلة الرحم بين أبناء أمة ضاقوا ذرعا بالتشرذم و الشتات.
المنتدى الإسباني عمق لدينا أسس الحوار الهادف و الاختلاف الحضاري في وجهات النظر، ثم علمنا كيف نتجاهل المستفزين و لا ننساق وراء ترهاتهم الهدامة.
المنتدى الإسباني علمنا كيف نفرح كأطفال صغار مع كل همسة شكر تزين أحد مواضيعنا، و كيف ندعو لصاحبها عن ظهر الغيب بكل معاني الفلاح.
المنتدى الإسباني أسرتنا الثانية التي تحتضن دفء مشاعرنا، فنتذوق بين جنباتها رحمة الاختلاف و قوة الائتلاف، لأن المرء ضعيف بنفسه، قوي بأهله و إخوانه.
المنتدى الإسباني علمنا كيف نتقبله بحسناته و سيئاته؛ بالتعصب الأعمى لدى بعض أعضائه، و ببخس آخرين لقدر فرق رائعة كان ذنبها الأوحد أن تعيش في ظل غريمين كتب لهما أن يتنافسا إلى الأبد.
المنتدى الإسباني علمنا كيف يمكن أن يكون لنا حلم نقتسمه جميعا، و كيف يمكن أن نوقد نارا فنتحلق حولها جميعا لنتفيأ بدفئها، كرة القدم سجال، يوم لك و يوم ـ أو عدة ـ عليك، لكن الصداقة الحقة و الأخوة الصافية بيننا هي من ستخلد لتدون مجدها في قلب كل واحد منا بحروف من ذهب.
المنتدى الإسباني دارنا و منزلنا جميعا و لن نرضى عنه بديلا ببساطة لأنه الأفضل، فلنحفظ تألقه و لنجعله بأعيننا، الإسباني سيد المنتديات... بفضل الله... ثم بفضل اتحادنا، و ليعرف كل واحد منا أن في الحياة ما يستحق أن نبذل من أجله عناء أكبر، فالصلاة في وقتها و بر الوالدين و إكرام اليتيم و الحض على طعام المسكين و صلة الرحم و باقي أعمال الخير أولى بالجهد و المثابرة من أي شيء آخر.
هي مجرد همسات فضلت اقتسامها مع الإخوان عوض الاحتفاظ بها لنفسي، لن يكون هذه المرة سجع أو جناس أو طباق أو صيغ مبالغة، لن نشرد بخيالنا للبحث عن كل جديد، بل سيكون حديثا بسيطا من القلب إلى القلب على أمل أن يلج قلوبكم بدون استئذان، و لي كامل الحق في الرجاء لأن الإنسان لم يعرف أبدا أصدق من حديث القلوب.
فقط لأن له حلما أقوى من الخوف... و أقوى من الظلام.
اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا أبداً ما أحييتنا واجعله الوارث منا.